تحميل كتاب جفري برون تاريخ اوروبا الحديث
المقدمة
يتبادر الى
الذهن الانساني في بداية إعداد او دراسة أي موضوع، سؤال إشكالي يستمد شرعيته حتما
من الموضوع ذاته موضع الدراسة و البحث، وهو ماهي الفائدة المرجوة منه انسانيا و
اخلاقيا و فكريا؟، وما جدوى هذه الدراسة في حياتنا؟
نعم قد يبدو
هذا التساؤل النفعي فيما يتعلق بالدراسات التاريخية مستهجنا ومثيرا للكوامن و
محرضا بشكل كبير ، لكنه في الواقع لا مجال له على الاطلاق فالدراسات التاريخية يجب
ان ينظر اليها، وخاصة من قبل الدارسين فيها والباحثين التاريخيين ، كنم يتسلق جبل
ما، لأن ما نريده فعلا سنجده حتما في قمة ذلك الجبل ، و هذه حقيقة لا جدال فيها و
لا خلاف.
ثمة زعم بان كل ما فعله الانسان في الماضي يحمل
أهمية مباشرة بالنسبة للإنسان ان هذا الاهتمام الطبيعي يجعل التاريخ كله جديرا
بالدراسة و البحث، ولهذا لا يمكن لأي باحث متخصص ان يجزم بإمكانية ايجاد فواصل
تاريخية بين الفترات او الحقب التاريخية، فالتاريخ حلقات متصلة لا يمكن فصل حلقة
عن اخرى ، والا ضاعت الفائدة المرجوة .
كما أن أي شخص
لديه اهتمام بالتاريخ ،وهو واقعا
اهتمام طبيعي وانساني، يكمن في داخله مؤرخ محترف ودقيق النظرة. كما تجب الاشارة
هنا الى ان هناك عالما من الاختلافات بين حب الاستطلاع العشوائي بقصد قضاء وقت
الفراغ، والذي يقود المرء الى قراءة ممتعة حول بعض الشخصيات و الحوادث التاريخية،
والتحقيق المنهجي الشاق والتأمل الذي تنطوي عليه الدراسات التاريخية الرصينة.
ومن تم يحق لنا أن نسأل ماهي فوائد التاريخ؟ في البداية يجب القول ان دراسة
التاريخ تمتلك نفس ذلك الدافع الانساني الذي يقود البعض الى دراسة اي موضوع انساني
اخر، وهو دافع تحقيق المعرفة بالذات الانسانية وتحقيق دراسة التاريخ الحكمة التي
جعلها الاغريق أسمى غايات الحياة الانسانية، وهي حكمة اعرف نفسك.
لقد التزم الاغريق في الجانب الاكبر من بحثهم عن الانسانية ، مع قدر ضئيل
من الاهتمام بالناس في علاقتهم التاريخية و الاجتماعية الحقيقية . وبعد تطور بطيء
ومعقد للغاية للأفكار التي لم تصل الى مرحلتها النهائية سوى في القرن التاسع عشر
ميلادي ، اتضح ان هذا المدخل غير كاف لدراسة الطبيعة البشرية ٍ والواقع ان الحضارة
الغربية التي تميزت عن مختلف المدنيات الاخرى هي التي ابدت وعيا واضحا بالإنسانية
في تركيبها التاريخي المتغير دائما و أبدا.